الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيـلـم "الحـمـايـة 1881": هكذا تـمـكـنـت فـرنـسا من استعـمـار تــونــس..

نشر في  29 فيفري 2016  (14:47)

 قدّم المخرج طارق ابراهيم والمنتج محي الدين التميمي العرض الأول لفيلم "الحماية 1881" خلال الدورة الخامسة لملتقى المخرجين التونسيين. وقد رصد الفيلم الذي سجّل مشاركة مجموعة من الممثلين علي غرار سندس بلحسن والشاذلي صفر وأنس العبيدي الظروف التي هيأت لاستعمار البلاد سنة 1881 من قبل فرنسا.

ينطلق الفيلم بمقولة لشاعر الزنوجة إيمي سيزار والتي قال فيها انّ «مأساة إفريقيا أنّها احتكّت بأوروبا أثناء أزمتها. في تلك الفترة كانت اوروبا في أيدي تجّار الأموال وأصحاب الشّركات، فاقدي الضمير والذين تسبّبوا في أكبر مجزرة في التاريخ» ليعلن الفيلم منذ الوهلة الأولى عن النزعة الاستغلاليّة للقوى التي تربّصت بتونس والتي تجاوزت أطماعها حدودنا الوطنيّة لتخترقها بهدف استنزاف الثروات والخيرات التونسية غير عابئة بأرواح ناسها وبسيادة الخضراء على أرضها..

ومن خلال عمليّة توثيق دقيقة، يعود الفيلم الى تواريخ هامّة أثرت على مصير البلاد ومنها اقتراض تونس من فرنسا قرابة 35 مليون فرنك ذهبي سنة 1848 بعد ان شحت مداخيل الدولة من الضرائب، ومضاعفة الجباية من قبل الوزير الأكبر مصطفى خزندار الذي لم يحسن التصرف في ميزانية الدولة، ثم ثورة علي بن غذاهم، كبير قبيلة ماجر، سنة 1864، ثم القرض الجديد الذي طلبته تونس من فرنسا، وصولا الى سنة 1869 عندما أعلنت الإيالة إفلاسها.

وبالتزامن مع هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعيّة الصعبة، عبرت قبائل تونسية عديدة عن رفضها لدخول قوات المستعمر التي استغلّت معركة على الحدود مع الجزائر -قرب القالة- لإقحام أوّل جنودها على الأراضي التونسيّة.. وفي هذا السياق، قدّم الفيلم مقتطفات من أبرز أحداث المقاومة التي عرفتها البلاد من قبل قبائل أولاد خمير وأولاد عمّار وغيرهم ممن ضحّوا بدمائهم رفضا لدخول المستعمر..

 ومما نقله الفيلم أيضا ما عرفته مدينة الكاف من ردود أفعال عندما اختلفت مواقف أعيان المدينة بين الشيخ علي بن عيسى الذي نادى بمقاومة المستعمر وعدد من المشائخ الآخرين الذين اعتبروا انه لافائدة من سيلان الدم التونسي لعدم توازن القوى.. وفي 29 أفريل 1881 تمّ احتلال جندوبة، واما بنزرت فحاولت المقاومة لكنّها استسلمت بعد احتلال برجي سيدي سالم وسيدي حمد..

ومقابل مقاومة هذه المدن التونسية، كان موقف الصادق باي مخالفا رغم أنّ مستشاره العربي زروق نادى بالمقاومة وحكم عليه جرّاء ذلك بالإقامة الجبرية ثم اعتقل هو وابناه بتهمة التآمر قبل ان يلجأ الى تركيا.. وقد أمضى الصادق باي -كما هو معروف- بتاريخ 12 ماي 1881 على معاهدة باردو التي سمحت للاستعمار بالدّخول رسميا الى البلاد..

ويمكن القول انّ الفيلم توفق في تسليط الضوء على هذه الحقبة التاريخية الهامة لبلادنا، والتي لانعرف عنها الكثير وذلك من خلال طرح ذكي اعتمد على عاملين اثنين: اولهما تبسيط المعلومة حتى يتلقاها المتفرج بسهولة وثانيهما الدور الذي لعبته الممثلة سندس بلحسن التي مثّل ظهورها متنفسا فنّيا عبرت من خلاله بحرية الجسد والكلمات عن الهويّة التونسية المنفتحة والمتعدّدة، وكانت بمثابة الراوي العليم الذي يشهد على الأحداث ويسخر منها في نفس الوقت..

بين المعلومة التراجيديّة والتعليق الطريف، تأرجح فيلم "الحماية 1881" ليتخذ لنفسه جنسا سينمائيا مخصوصا يراوح بين الوثائقي والروائي فيقصُ مأساة التاريخ دون ان ينغّص على المتفرّج، ولو انّنا لمسنا -عند عرض الفيلم- تحسر عدد من الحاضرين على خضوع الصادق باي الى الفرنسيين وتسليمهم مقاليد حكم البلاد ولو مكث هو على كرسي العرش.. كما لمسنا أيضا رغبة في معرفة تاريخ البلاد بتفاصيله التي تقول الكثير عنا، وهي النافذة التي فتحها الفيلم مؤكدا حاجتنا كتونسيين لمعرفة من نحن وما هي حكايتنا. 

هذا ويستخلص المتفرّج من خلال "الحماية 1881"، كيف يمكن للتاريخ ان يعيد نفسه، عندما يضعف الاقتصاد ويكون الساسة مجرد دمى لا همّ لهم سوى المحافظة على كراسيهم، عندها تُفتح الأبواب امام التدخّل الأجنبي وامام استغلال خيرات البلاد.. ذلك ما حدث سنة 1881 وذلك ما يحدث في 2016 ولو بشكل مغاير..

بقي ان نشير الى انّ فيلم "الحماية 1881" حاز جائزة أفضل فيلم وثائقي في الدورة الخامسة لملتقى المخرجين التونسيين، وهي جائزة يستحقّها بجدارة لما فيه من تميّز على مستوى الصورة والمضمون. فألف مبروك لكل الفريق الذي اشتغل على الفيلم في انتظار عرض الفيلم في القاعات التجارية وفي انتظار جوائز أخرى هو جدير بها.

شيراز بن مراد